كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والموت أدنى لي من الوريد

والحبل: العرق الذي شبه بواحد الحبال، وإضافته إلى الوريد للبيان، كقولهم: بعير سانية.
أو يراد حبل العاتق، فيضاف إلى الوريد، كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد، والعامل في إذ أقرب.
وقيل: اذكر، قيل: ويحسن تقدير اذكر، لأنه أخبر خبرًا مجردًا بالخلق والعلم بخطرات الأنفس، والقرب بالقدرة والملك.
فلما تم الإخبار، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر، وتعين وروده عند السامع.
فمنها: {إذ يتلقى المتلقيان}، ومنها مجيء سكرة الموت، ومنها: النفخ في الصور، ومنها: مجيء كل نفس معها سائق وشهيد.
والمتلقيان: الملكان الموكلان بكل إنسان؛ ملك اليمين يكتب الحسنات، وملك الشمال يكتب السيئآت.
وقال الحسن: الحفظة أربعة، اثنان بالنهار واثنان بالليل.
وقعيدة: مفرد، فاحتمل أن يكون معناه: مقاعد، كما تقول: جليس وخليط: أي مجالس ومخالط، وأن يكون عدل من فاعل إلى فعيل للمبالغة، كعليم.
قال الكوفيون: مفرد أقيم مقام اثنين، والاجود أن يكون حذف من الأول لدلالة الثاني عليه، أي عن اليمين قعيد، كما قال الشاعر:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ** بريئًا ومن أجل الطوى رماني

على أحسن الوجهين فيه، أي كنت منه بريًا، ووالدي بريًا.
ومذهب المبرد أن التقدير عن اليمين قعيد، وعن الشمال، فأخر قعيد عن موضعه.
ومذهب الفراء أن لفظ قعيد يدل على الاثنين والجمع، فلا يحتاج إلى تقدير.
وقرأ الجمهور: {ما يلفظ من قول}، وظاهر ما يلفظ العموم.
قال مجاهد، وأبو الحواراء: يكتب عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه.
وقال الحسن، وقتادة: يكتبان جميع الكلام، فيثبت الله تعالى من ذلك الحسنات والسيئات، ويمحو غير ذلك.
وقيل: هو مخصوص، أي من قول خير أو شر.
وقال: معناه عكرمة، وما خرج عن هذا لا يكتب.
واختلفوا في تعيين قعود الملكين، ولا يصح فيه شيء.
{رقيب}: ملك يرقب.
{عتيد}: حاضر، وإذا كان على اللفظ رقيب عتيد، فأحرى على العمل.
وقال الحسن: فإذا مات، طويت صحيفته.
وقيل: له يوم القيامة اقرأ كتابك.
{وجاءت سكرة الموت}: هو معطوف على {إذ يتلقى}، وسكرة الموت: ما يعتري الإنسان عند نزاعه، والباء في {بالحق} للتعدية، أي جاءت سكرة الموت الحق، وهو الأمر الذي أنطق الله به كتبه وبعث به رسله، من سعادة الميت أو شقاوته، أو للحال، أي ملتبسه بالحق.
وقرأ ابن مسعود: {سكران} جمعًا.
{ذلك ما كنت منه تحيد}: أي تميل.
تقول: أعيش كذا وأعيش كذا، فمتى فكر في قرب الموت، حاد بذهنه عنه وأمل إلى مسافة بعيدة من الزمن.
ومن الحيد: الحذر من الموت، وظاهر تحيد أنه خطاب للإنسان الذي جاءته سكرة الموت.
وقال الزمخشري: الخطاب للفاجر.
تحيد: تنفر وتهرب.
{ذلك يوم الوعيد}، هو على حذف: أي وقت ذلك يوم الوعيد.
والإشارة إلى مصدر نفخ، وأضاف اليوم إلى الوعيد، وإن كان يوم الوعد والوعيد معًا على سبيل التخويف.
وقرأ الجمهور: {معها}؛ وطلحة: بالحاء مثقلة، أدغم العين في الهاء، فانقلبتا حاء؛ كما قالوا: ذهب محم، يريد معهم، {سائق}: جاث على السير، {وشهيد}: يشهد عليه.
قال عثمان بن عفان، ومجاهد وغيره: ملكان موكلان بكل إنسان، أحدهما يسوقه، والآخر من حفظه يشهد عليه.
وقال أبو هريرة: السائق ملك، والشهيد النبي.
وقيل: الشهيد: الكتاب الذي يلقاه منشورًا، والظاهر أن قوله: {سائق وشهيد} اسما جنس، فالسائق: ملائكة موكلون بذلك، والشهيد: الحفظة وكل من يشهد.
وقال ابن عباس، والضحاك: السائق ملك، والشهيد: جوارح الإنسان.
قال ابن عطية: وهذا يبعد عن ابن عباس، لأن الجوارح إنما تشهد بالمعاصي، وقوله: {كل نفس} يعم الصالحين، فإنما معناه: وشهيد بخيره وشره.
ويقوى في شهيد اسم الجنس، فشهد بالخير الملائكة والبقاع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:
«لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» وقال أبو هريرة: السائق ملك، والشهيد العمل.
وقال أبو مسلم: السائق شيطان، وهو قول ضعيف.
وقال الزمخشري: ملكان، أحدهما يسوقه إلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله؛ أو ملك واحد جامع بين الأمرين، كأنه قيل: كأنه قيل: ملك يسوقه ويشهد عليه ويحل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة، هذا كلام ساقط لا يصدر عن مبتدىء في النحو، لأنه لو نعت كل نفس، لما نعت إلا بالنكرة، فهو نكرة على كل حال، فلا يمكن أن يتعرف كل، وهو مضاف إلى نكرة.
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}.
قرأ الجمهور: {لقد كنت في غفلة}، بفتح التاء، والكاف في {كنت} و{غطاءك} و{بصرك}؛ والجحدري: بكسرها على مخاطبة النفس.
وقرأ الجمهور: {عنك غطاءك فبصرك}، بفتح التاء والكاف، حملًا على لفظ كل من التذكير؛ والجحدري، وطلحة بن مصرّف: عنك غطاءك فبصرك، بالكسر مراعاة للنفس أيضًا، ولم ينقل الكسر في الكاف صاحب اللوامح إلا عن طلحة وحده.
قال صاحب اللوامح: ولم أجد عنه في {لقد كنت}.
الكسر.
فإن كسر، فإن الجميع شرع واحد؛ وإن فتح {لقد كنت}، فحمل على كل أنه مذكر.
ويجوز تأنيث كل في هذا الباب لإضافته إلى نفس، وهو مؤنث، وإن كان كان كذلك، فإنه حمل بعضه على اللفظ وبعضه على المعنى، مثل قوله: {فله أجره}، ثم قال: {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} انتهى.
قال ابن عباس، وصالح بن كيسان، والضحاك: يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد، إذا حصل بين يدي الرحمن، وعاين الحقائق التي لا يصدق بها في الدنيا، ويتغافل عن النظر فيها: {لقد كنت في غفلة من هذا}: أي من عاقبة الكفر.
فلما كشف الغطاء عنك، احتدّ بصرك: أي بصيرتك؛ وهذا كما تقول: فلان حديد الذهن.
وقال مجاهد: هو بصر العين، أي احتدّ التفاته إلى ميزانه وغير ذلك من أهوال القيامة.
وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله، وهو في كتاب ابن عطية.
وكنى بالغطاء عن الغفلة، كأنها غطت جميعه أو عينيه، فهو لا يبصر.
فإذا كان في القيامة، زالت عنه الغفلة، فأبصر ما كان لم يبصره من الحق.
{وقال قرينه}: أي من زبانية جهنم، {هذا}: العذاب الذي لدي لهذا الإنسان الكافر، {عتيد}: حاضر، ويحسن هذا القول إطلاق ما على ما لا يعقل.
وقال قتادة: قرينه: الملك الموكل بسوقه، أي هذا الكافر الذي أسوقه لديّ حاضر.
وقال الزهراوي: وقيل قرينه: شيطانه، وهذا ضعيف، وإنما وقع فيه أن القرين في قوله: {ربنا ما أطغيته} هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف.
ولفظ القرين اسم جنس، فسائقه قرين، وصاحبه من الزبانية قرين، ومماشي الإنسان في طريقة قرين.
وقيل: قرينه هنا: عمله قلبًا وجوارحًا.
وقال الزمخشري: وقال قرينه: هو الشيطان الذي قيض له في قوله: {نقيض له شيطانًا فهو له قرين} يشهد له قوله تعالى: {قال قرينه ربنا ما أطغيته}، {هذا ما لدي عتيد}، هذا شيء لدي، وفي ملكتي عتيد لجهنم.
والمعنى: أن ملكًا يسوقه، وآخر يشهد عليه، وشيطانًا مقرونًا به يقول: قد أعتدته لجهنم وهيأته لها بإغواي وإضلالي.
انتهى، وهذا قول مجاهد.
وقال الحسن، وقتادة أيضًا: الملك الشهيد عليه.
وقال الحسن أيضًا: هو كاتب سيئاته، وما نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد وموصولة، والظرف صلتها.
وعتيد، قال الزمخشري: بدل أو خير بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف. انتهى.
وقرأ الجمهور: عتيد بالرفع؛ وعبد الله: بالنصب على الحال، والأولى إذ ذاك أن تكون ما موصولة.
{ألقيا في جهنم}: الخطاب من الله للملكين: السائق والشهيد.
وقيل: للملكين من ملائكة العذاب، فعلى هذا الألف ضمير الاثنين.
وقال مجاهد وجماعة: هو قول إما للسائق، وإما للذي هو من الزبانية، وعلى أنه خطاب للواحد.
وقال المبرد معناه: ألق ألق، فثنى.
وقال الفراء: هو من خطاب الواحد بخطاب الاثنين.
وقيل: الألف بدل من النون الخفيفة، أجرى الوصل مجرى الوقف، وهذه أقوال مرغوب عنها، ولا ضرورة تدعو إلى الخروج عن ظاهر اللفظ لقول مجاهد.
وقرأ الحسن: ألقين بنون التوكيد الخفيفة، وهي شاذة مخالفة لنقل التواتر بالألف.
{كل كفار}: أي يكفر النعمة والمنعم؛ {عنيد}، قال قتادة: منحرف عن الطاعة.
وقال الحسن: جاحد متمرد.
وقال السدي: المساق من العند، وهو عظم يعرض في الحلق.
وقال ابن بحر: المعجب بما فيه.
{مناع للخير}، قال قتادة ومجاهد وعكرمة: يعني الزكاة.
وقيل: بخيل.
وقيل: مانع بني أخيه من الإيمان، كالوليد بن المغيرة، كان يقول لهم: من دخل منكم فيه لم أنفعه بشيء ما عشت، والأحسن عموم الخير في المال وغيره.
{مريب}، قال الحسن: شاك في الله أو في البعث.
وقيل: متهم الذي جوزوا فيه أن يكون منصوبًا بدلًا من كل كفار، وأن يكون مجرورًا بدلًا من كفار، وأن يكون مرفوعًا بالابتداء مضمنًا معنى الشرط، ولذلك دخلت الفاء في خبره، وهو فألقياه.
والظاهر تعلقه بما قبله على جهة البدل، ويكون فألقياه توكيدًا.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون صفة من حيث يختص كفار بالأوصاف المذكورة، فجاز وصفه بهذه المعرفة. انتهى.
وهذا ليس بشيء لو وصفت النكرة بأوصاف كثيرة لم يجز أن توصف بالمعرفة.
{قال قرينه}: لم تأت هذه الجملة بالواو، بخلاف {وقال قرينه} قبله، لأن هذه استؤنفت كما استؤنفت الجمل في حكاية التقاول في مقاولة موسى وفرعون، فجرت مقاولة بين الكافر وقرينه، فكأن الكافر قال ربي هو أطغاني، {قال قرينه ربنا ما أطغيته}.
وأما {وقال قرينه} فعطف لدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين.
وقول قرينه: ما قال له، ومعنى ما أطغيته: تنزيه لنفسه من أنه أثر فيه، {ولكن كان في ضلال بعيد}: أي من نفسه لا مني، فهو الذي استحب العمى على الهدى، كقوله: {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} وكذب القرين، قد أطغاه بوسوسته وتزيينه.
{قال لا تختصموا لدي}: استئناف أيضًا مثل قال قرينه، كأن قائلًا قال: ما قال الله تعالى؟ فقيل: {لا تختصموا لدي} أي في دار الجزاء وموقف الحساب.
{وقد قدّمت إليكم بالوعيد} لمن عصاني، فلم أترك لكم حجة.
{ما يبدّل القول لدي}: أي عندي، فما أمضيته لا يمكن تبديله.
وقال الفراء: ما يكذب لدي لعلمي بجميع الأمور.
وقدمت: يجوز أن يكون بمعنى تقدمت، أي قد تقدم قولي لكم ملتبسًا بالوعيد، أو يكون قدم المتعدية، وبالوعيد هو المفعول، والباء زائدة، والتقديم كان في الدنيا، ونهيهم عن الاختصام في الآخرة، فاختلف الزمانان.
فلا تكون الجملة من قوله: {وقد قدّمت} حالًا إلا على تأويل، أي وقد صح عندكم أني قدمت، وصحة ذلك في الآخرة، فاتفق زمان النهي عن الاختصام، وصحة التقديم بالحال على هذا التأويل مقارنة.
{وما أنا بظلام للعبيد}: تقدم شرح مثله في أواخر آل عمران، والمعنى: لا أعذب من لا يستحق العذاب.
وقرأ {يوم يقول}، بياء الغيبة الأعرج، وشيبة، ونافع، وأبو بكر، والحسن، وأبو رجاء، وأبو جعفر، والأعمش، وباقي السبعة: بالنون؛ وعبد الله، والحسن، والأعمش أيضًا: يقال مبنيًا للمفعول وانتصاب {يوم} بظلام، أو بأذكر، أو بأنذر كذلك.
قال الزمخشري: ويجوز أن ينتصب بنفخ، كأنه قيل: ونفخ في الصور يوم نقول، وعلى هذا يشار بذلك إلى يوم يقول.
انتهى، وهذا بعيد جدًا، قد فصل على هذا القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة، فلا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته.
و{هل امتلأت}: تقرير وتوقيف، لا سؤال استفهام حقيقة، لأنه تعالى عالم بأحوال جهنم.
قيل: وهذا السؤال والجواب منها حقيقة.
وقيل: هو على حذف مضاف، أي نقول لخزنة جهنم، قاله الرماني.